هُجوم الأبابيل
قصة
أصحاب الفيل
في عام 535
الميلادي أعلن ابرهة الحبشي حاكم اليمن استقلاله عن امبراطورية الحبشة .
و راح أبرهة الحبشي يتصرّف كامبراطور يفكّر في توسيع رقعة بلاده باحتلال
أراضي الغير .
و في تلك الفترة كان الصراع بين امبراطورية فارس و امبراطورية الروم على
أشدّه .
و كان الرومان يشجعون أبرهة و يعزّزون العلاقات معه ، أما الفرس ، فكانوا
يدعمون النصارى المعارضين لحكم ابرهة و يدعمون أيضاً اليهود في اليمن .
و قد كان لليهود دورّ في سقوط اليمن بأيدي الاحباش ، ذلك إنهم كانوا
يحرّضون ذو نؤاس على اضطهاد نصارى نجران مما دفع بالحبشة الى ارسال قوّات
لاحتلال اليمن .
"
القليس " :
فكّر أبرهة الحبشي بانه قد يستطيع التوغل في الحجاز و السيطرة على الطريق
البرّي للتجارة و بالتالي الاتصال بامبراطورية الروم .
الرومان كانوا يشجّعون على ذلك ، لانه يمكن تعزيز نفوذهم في مناطق متاخمة
لامبراطورية الفرس .
لهذا كانوا يرسلون المبشّرين لنشر النصراينة ، و فكّر ابرهة الحبشي ببناء
أكبر كنيسة في المنطقة ، و كان الهدف من ذلك اجتذاب انظار العرب و صرفهم عن
الحج الى الكعبة و تنصيرهم .
انتهى البناء من الكنيسة الكبرى ، و دعا العرب الى زيارتها ، و لكنّ قوافل
العرب ظلّت تتجه الى الكعبة المقدّسة .
و أعلن ابرهة الحبشي إنّه سيدّمر الكعبة ، و هكذا عبأ قوّاته يتقدّمها فيل
إفريقي مدّرب .
غادر أبرهة صنعاء على رأس جيش جرّار باتجاه مكّة .
و قد حاولت بعض القبائل العربية في اليمن و اطرافها عرقلة تقدّم الاحباش ،
و لكنها منُيت بالهزيمة ، و هكذا كان الجيش الحبشي يتقدم باتجاه مكّة
لاحتلالها و تدمير الكعبة .
كان الجيش الحبشي يستولي على كل ما يصادفه ، و عندما وصل قريباً من مكّة ،
وجد في أحد الأودية إبلاً لعبد المطلب بن هاشم فصادرها .
وصلت انباء الحملة العسكرية الى مكة ، فغادرها السكّان الى قمم الجبال ، لم
يبق في المدينة سوى عبد المطلب جدّ سيدنا محمد
( صلى الله عليه و آله )
.
للبيت
ربّ يحميه :
كان سيد مكة قد نصح السكان بإخلاء المدينة حتى لا يتعرّضون الى عدوان
الجنود الاحباش .
كان عبد المطلب رجلاً مهاباً ، و هو الذي حفر بئر زمزم و ذلك سنة 540
ميلادية ، و منذ ذلك الوقت و الناس يعظّمونه و يؤيّدون زعامته .
توجه عبد المطلب الى الكعبة يتضرّع الى الله لحماية بيته العتيق ، ثم هتف
بصوت مؤثر :
ـ لا همّ إنّ المرءُ يمنع رِحْله فأمنع رحالك !
إنّ كل انسان يدافع عن بيته إذا ما تعرّض للعدوان ، يا ربّ فأحم بيتك من
عدوان الاحباش .
وصلت قوّات الأحباش مشارف مكّة ، فعسكرت هناك استعداداً لاحتلالها .
سأل ابرهة عن زعيم مكّة فأخبروه ان زعيمها شيخ يدعى عبد المطلب من نسل
ابراهيم الخليل .
طلب ابرهة مقابلته ، و انطلق رجل حميري ، و جاء الى عبد المطلب ، قال له :
ـ إنّ الملك يقول إنّه لم يأت للحرب ، و أنما جاء لهدم الكعبة فقط ، فاذا
لم يقاوموا الجيش فلن يتعرّض الجنود لأهل مكة .
أجاب عبد المطلب :
ـ إننا أيضاً لا نريد الحرب ، و لسنا قادرين على مقاومة جيش الحبشة . . .
و أشار عبد المطلب الى الكعبة و قال :
ـ هذا بيت الله الحرام ، و بيت خليله ابراهيم ، و أن الله هو وحده يستطيع
أن يحمي بيته . . اننا لا نملك جيشاً للدفاع .
قال المبعوث :
ـ اذا لم تكن لديكم نوايا للحرب ، فان الملك يودّ مقابلتك و انطلق عبد
المطلب الى خارج مكة لمقابلة ابرهة الحبشي .
كان ابرهة جالساً على سرير المُلك و قد فُرش له سجاد ثمين .
عندما رأى ابرهةُ عبد المطلب دخلتَ الهيبةُ في قلبه و نهض له باحترام و
استقبله بحفاوة ، و اجلسه معه على السرير ، و راح يحادثه مؤكداً أنه لم يأت
إلاّ لهدف واحد هو هدم الكعبة .
التفت ابرهة الى المترجم و قال :
ـ اسأله هل لديه حاجة ؟!
قال عبد المطلب :
ـ ان الجيش قد صادر مئتي بعير لي ، و أنا اطالب باعادتها . عندما سمع ابرهة
الترجمة نظر الى عبد المطلب نظرة فيها استصغار و قال :
ـ عندما رأيتك هبتك ، و لكن عندما تحدثت زهدت فيك . . أتطلب مني إعادة إبلك
، و تترك بيتاً تقدّسه أنت و آباؤك ؟!
نظر عبد المطلب الى ابرهة و أجاب :
ـ انا ربّ الأبل . . أمّا البيت فله ربّ يحميه .
قال ابرهة ساخراً ؟
ـ لا أظن ذلك .
قال عبد المطلب بايمان راسخ :
ـ سوف نرى .
شعر ابرهة بالانزعاج فنهض منهياً المقابلة ، و نهض عبد المطلب عائداً الى
الكعبة ، فأمسك بحلقة الباب المقدس و هزّها بقوة و قال باكياً :
ـ يا الهي ان كل إنسانٍ يدفع العدوان عن بيته ، فادفع يا ربّ العدوان عن
بيتك .
الهجوم :
في الساعات الأولى من الصباح بدأ جيش الأحباش بالتقدم نحو الكعبة ، و كان
الفيل الأبيض يتصدّر الزحف في مهمة تدمير الكعبة .
كان ابرهة يراقب تقدّم قوّاته التلال سوف يحيل الكعبة التي يقدّسها العرب
الى أنقاض .
كانت الفكرة أن يبدأ الفيل بزعزعة البناء وبدء الضربة الأولى ثم ينهال
عليها الجنود بالمعاول و الحراب .
كان أهل مكّة يراقبون من فوق الجبال المشرفة ما يجري في الوادي .
كانوا يتطلعون بأسى الى بيت بناه ابراهيم الخليل .
و كان عبد المطلب أكثر الناس حزناً و فجيعة .
تجّار مكة كانوا أيضاً يشعرون بالحزن ، و لكن خوفاً على مصالحهم الشخصية ،
لأن مكّة قد اصبحت منذ زمن بعيد مركزاً تجارياً هامّاً .
و كان عبد الله بن عبد المطلب في رحلة الى الشام ، و قد ترك زوجته آمنة في
بيت عبد المطلب ، إنّها الآن مع أهالي مكة و هي تفكر في جنينها المبارك .
تمرّد
الفيل :
أصبح الفيل الأبيض قريباً من الكعبة ، فجأة وقع شيء عجيب ، إنّ الفيل لا
يطيع قائده ، توقف !
إنه يحاول التراجع و الانسحاب ، القائد يلهب ظهره بالسياط و لكن دون جدوى .
ابرهة القائد العام يراقب حائراً ما يجري ، أطلق صيحة غاضبة ، و قائد الفيل
يفعل المستحيل لكي يتقدم بالفيل صوب الكعبة ، و لكن الفيل لا يتقدّم خطوة
واحدة !
و حدث شيء آمر أعجب برك الفيل ، و أصبحت مهمة القائد مستحيلة جداً ، لقد
تمرّد الفيل و لم يعد يمكن السيطرة عليه .
لو كانت لأبرهة ذرّة من الايمان لفكّر لماذا يفعل الفيل ذلك رغم السياط
اللاهبة ؟!
و لكنّ أبرهة مغرور و لا يفكّر إلاّ بأطماعه التوسعية و السيطرة .
القصف
الجهنّمي :
فجأة ظهر في الأفق سوادٌ يشبه الغيوم لم يكن غيوماً ، كانت أسراب من الطيور
. . طيور الابابيل تحمل حجارة من سجيل .
حجارة تشبه الجمر في شدّة اشتعالها .
حلقت الطيور فوق الجيش الحبشي ، و بدأت قصفها الجهنّمي !
كانت هجمات الطيور على شكل اسراب متتابعة كل سِرْب يلقي حمولته و يمضي
ليأتي سرب آخر و يقصف .
حدثت فوضى بين الجنود ، و كانت القذائف تصيب أهدافها بدقّة ، و كان
المعتدون يتساقطون كالذباب .
كان عبد المطلب يراقب ما يجري و قد غمرته حالة من الخشوع و كانت عيناه
تشعّان إيماناً . . إنها قدرة الله .
ألهب ابرهة ظهر حصانه بالسياط و كانت الأبابيل تلاحقه بقذائفها الحارقة .
وصل ابرهة عاصمته صنعاء ، و لكنه سقط من فوق حصانه عند بوابتها ، و كانت
عيناه جاحظتين ، تعكسان احساسه بالرعب .
العصف
المأكول :
|