حقيقة الرؤى والأحلام في المنام

[11.0.3] سؤال : ما هي حقيقة الرؤى و الأحلام التي يراها الإنسان في منامه ؟ و هل يصحّ الاعتماد عليها أم لا ؟

جواب : ما أن يأوي الإنسان إلى فراشه و يغمض عينيه و يسيطر عليه النوم حتى يجد نفسه في عالم آخر يختلف تماماً عن عالم اليقظة من حيث المقاييس و الحدود و الأوصاف .

نعم يجول النائم غالباً في عالم الأحلام و الرؤى فيشاهد الماضي و الحاضر و المستقبل فإذا به تارة يرجع إلى صباه و أخرى يرى نفسه شيخاً طاعناً في السن ، و قد يدخل في حرب مدمِّرة مع عدو واقعي أو افتراضي ، أو يرى نفسه و هو يعالج سكرات الموت ، أو يرى أن لديه ثروة عظيمة و مكانة مرموقة ينعم بكل خير و يعيش بين الورود و الرياحين ، أو يرى بعض الصالحين من الأحياء أو الأموات ، إلى غير ذلك من المشاهدات العجيبة التي يرتاح الإنسان لرؤية بعضها و يتمنى لو أنها طالت و استمرت من دون انقطاع ، كما و ينزعج من مشاهدة الكثير من الأحلام المهولة و المفزعة .

و ما أن ينقطع شريط الأحلام حتى يسأل الإنسان نفسه عن حقيقة هذه المشاهدات و مدى انطباقها على الواقع ، فيحب أن يعرف هل أن لهذه المشاهدات من تأثيرات سلبية أو إيجابية على معيشته و حياته أم لا .

لا بُدَّ من الاعتراف بأن حقيقة الرؤى و الأحلام لا تزال خافية حتى على العلماء ذوي الاختصاص ، لذا فانك ترى أن نظراتهم العلمية مختلفة في تفسير مشاهدات الإنسان في المنام .

فمنهم من حاول حصر الأحلام في البعد النفسي فقط ، و لم ينظر إليها إلى من هذه الزاوية ، يقول فرويد : " إن الأحلام تلجأ إلى الرموز لتخفي الأغراض التي يحظرها المجتمع " [1] .

و كان المتنبؤن بالأمس يقولون : " أخبرنا بأحلامك نخبرك بمستقبلك " ، و اليوم يقول أطباء النفس : " أخبرنا بأحلامك نشخِّص مشكلاتك " [2] .

و مع ذلك فان أصل مشاهدة الأحلام و الرؤيا ثابتة و لا نقاش فيها ، إلا أن ما يهمنا هنا هو النظرة الإسلامية بالنسبة إلى الرؤى و الأحلام ، و ما يهمنا أيضا هو معرفة مدى صحة الاعتماد على أمثال هذه المشاهدات من المنظار الإسلامي .

للحصول على الإجابة الصحيحة يتحتم علينا مراجعة القرآن الكريم و الأحاديث المروية عن النبي المصطفى ( صلَّى الله عليه و آله ) و الأئمة المعصومين ( عليهم السَّلام ) حتى نتوصل إلى الرأي الإسلامي الصائب في هذا المجال .

التفسير الإسلامي للرؤى و الأحلام :

سأل محمدُ بن القاسم النوفلي الإمامَ جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام ) أسئلة حول حقيقة المشاهد و الأشياء التي يشاهدها النائم ، فأجابه الإمام ( عليه السَّلام ) عنها باختصار ، و اليك نص الرواية :

قال : قلت لأبي عبد الله الصادق ( عليه السَّلام ) : المؤمن يرى الرؤيا فتكون كما رآها ، و ربما رأى الرؤيا فلا تكون شيئا ؟

فقال : " إن المؤمن إذا نام خرجت من روحه حركة ممدودة صاعدة إلى السماء ، فكل ما رآه روح المؤمن في ملكوت السماء في موضع التقدير و التدبير فهو الحق ، و كل ما رآه في الأرض فهو أضغاث أحلام " .

فقلت له : أو تصعد روح إلى السماء ؟

قال : " نعم " .

قلت : حتى لا يبقى منها شئ في بدنه ؟

فقال : " لا ، لو خرجت كلها حتى لا يبقى منها شئ إذن لمات " .

قلت : فكيف تخرج ؟

فقال : " أما ترى الشمس في السماء في موضعها و ضوئها و شعاعها في الأرض ، فكذلك الروح أصلها في البدن و حركتها ممدودة إلى السماء " [3] .

المعنى اللغوي أولاً :

لكي تكون دراستنا لمسألة الرؤى و الأحلام دراسة دقيقة لابد و إن نعرف المعنى اللغوي للرؤيا و الحلم و مترادفاتهما من حيث اللغة العربية ، و لكي نتعرف على المعنى اللغوي لابد من مراجعة كتب اللغة أولاً .

قال في القاموس : الحُلم و الحُلُم : بالضم ، و بضمتين ، الرؤيا ، ... و الاحتلام الجماع في النوم و الاسم الحُلُم كعنق .

و قال الدكتور أحمد فتح الله : الرؤيا : ما يرى في النوم [4] .

و قال الأستاذ محمد قلعجي : الرؤيا : على و زن فُعلى ، و قد تُخفف فيه الهمزة فيقال الرؤيا ، ج رؤى ، ما يراه النائم في المنام ، { لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ ... } [5] ، Dream [6] .

و قال البيضاوي : الرؤيا كالرؤية غير أنها مختصة بما يكون في المنام [7] .

و قال الدكتور سعدي أبو حبيب : الرؤيا : ما يراه النائم في نومه . و يرادف الرؤيا حلم ( جمع ) أحلام . و قد غلب اسم الرؤيا على ما يراه النائم من خير ، و الحلم على ما يراه من شر . و في الحديث الشريف : " الرؤيا من الله ، و الحلم من الشيطان " [8] .

أقسام الرؤيا :

تنقسم مشاهدات الإنسان في المنام إلى مشاهدات حسنة يستبشر بها الإنسان المؤمن فيرى فيها ما يسره و يرتاح إليه ، و أخرى قبيحة و مهولة يفزع منها الإنسان و يستيقظ على إثرها مرعوباً ، و أخرى تكون على شكل لقطات غير مترابطة و مبعثرة و التي يعبَّر عنها بأضغاث الأحلام ، أي ضغثاً من كل حلم و هي ترسبات متبقية من مجموعة ما شاهده في منامه من الأحلام التي يشاهدها الإنسان فينسى منها الكثير و لا يتذكر منها إلا بعض اللقطات ، لقطة من هنا و أخرى من هناك فتشكل بمجموعها حلماً و احداً غير مترابط الأجزاء ، أو تكون من ترسبات الأفكار و التخيلات و الأماني التي تطرأ على الفكر خلال اليقظة .

فقد روي عن رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) أنه قال : الرؤيا ثلاثة : بشرى من الله ، و تحزين من الشيطان ، و الذي يحدث به الإنسان نفسه فيراه في منامه [9] .

و قال ( صلَّى الله عليه و آله ) : الرؤيا من الله و الحلم من الشيطان [10] .

و قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه : بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم أنه قال : " الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة و أربعين جزءً من النبوة " [11] .

و كان يقول صلى الله عليه و على آله و سلم : " لم يبق بعدي إلا المبشرات " .

قالوا : و ما المبشرات يا رسول الله ؟

قال : " الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له ، جزء من ستة و أربعين جزءً من النبوة " [12] .

و عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبى عمير ، عن سعد بن أبي خلف ، عن أبي عبد الله ( عليه السَّلام ) قال : الرؤيا على ثلاثة وجوه : بشارة من الله للمؤمن و تحذير من الشيطان و أضغاث أحلام [13] .

الرؤيا الصالحة :

و هي الرؤيا الصادقة الواضحة التي لا تحتاج إلى تعبير أو تكون قابلة للتعبير ، و هي بشرى من الله سبحانه و تعالى يراها الأنبياء و الصالحون ، و هذه الرؤيا تكون بالنسبة إلى الأنبياء من أقسام الوحي ، فعن ابن عباس : إن أول ما ابتدأ به رسول الله صلى الله عليه و آله من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم ، و كان لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح [14] .

و عن الإمام محمد الباقر ( عليه السَّلام ) قال : " قال رجل لرسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) : في قول الله عَزَّ و جَلَّ : { لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا ... } [15] قال : هي الرؤيا الحسنة يرى المؤمن فيبشر بها في دنياه " [16] .

و لا شك أن الرؤيا الصادقة حقيقة ثابتة في القرآن و السنة ، فالقرآن الكريم ذكر العديد من الرؤى التي رآها الأنبياء ( عليهم السَّلام ) ، كما ذكر رؤىً أخرى لغيرهم من الناس ، و إليك بعضاً منها :

1. رؤيا النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) التي ذكرها القرآن الكريم : { لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا } [17] .

2. رؤيا النبي يوسف ( عليه السَّلام ) التي ذكرت في القرآن الكريم : { إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } [18] .

3. رؤيا السجينين اللذين كانا مع يوسف ( عليه السَّلام ) في السجن و التي عبرها لهما ، و التي ذكرها القرآن الكريم كالتالي : { وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُم&#

 
alert script

 

users online
 

منتدى أنور في إنتظاركم للإنضمام


 
 
Today, there have been 37777 visitors (71395 hits) on this page!
ABDENOUR : جميع الحقوق محفوظة لموقع This website was created for free with Own-Free-Website.com. Would you also like to have your own website?
Sign up for free